الجمعة 19 رمضان 1445 الموافق مارس 29, 2024
 

مفهوم المسئولية الاجتماعية في الفكر الاقتصادي الاسلامى المقارن . د. صبري محمد خليل

الخميس, 11 أغسطس, 2016

د.صبري محمد خليل*
أولا : تعريف المسئولية الاجتماعية: تعددت تعريفات المسئولية الاجتماعية ، فقد عرفتها الموسوعة الحرة ( ويكيبيديا) بأنها (نظرية أخلاقية بأن أي كيان، سواء كان منظمة أو فرد، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل ، وهي أمر يجب على كل منظمة أو فرد القيام به للحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد ، وهي أمر لا يختص فقط بمنظمات الأعمال بل هي شأن كل فرد تؤثر أفعاله على البيئة ، وهذه المسؤولية يمكن أن تكون سلبية ، عبر الامتناع عن الانخراط في افعلا ضارة، أو إيجابية، من خلال القيام بأفعال تحقق من أهداف المجتمع بشكل مباشر)، وعرفتها مؤسسة العمل الدولية بأنها
( المبادرات الطوعية ، التي تقوم بها المؤسسات، علاوة على ما عليها من التزامات قانونية، وهي طريقة تستطيع أن تنظر بها أية مؤسسة في تأثيرها على جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وتعد المسؤولية المجتمعية للمؤسسات تكملة للوائح الحكومية، أو السياسة المجتمعية، وليست بديلاً عنهما) ، وعرفها البنك الدولي بأنها) التزام أصحاب النشاطات الاقتصادية ، بالمساهمة في التنمية المستدامة ، من خلال العمل مع المجتمع المحلي ، لتحسين مستوى المعيشة بأسلوب يخدم الاقتصاد و التنمية في آن واحد ، وعرفها الاتفاق العالمي للأمم المتحدة بأنها (ربط اتخاذ القرارات في مؤسسات الأعمال بالقيم الأخلاقية،وبالامتثال للاشتراطات القانونية، وباحترام الأشخاص، والمجتمعات المحلية، والبيئة).من هذه التعريفات نخلص إلى أن مضمون مفهوم المسئولية الاجتماعية هو عدم الاكتفاء بالسعي لتحقيق الربح كغاية وحيده للمؤسسات الاقتصادية الخاصة ، وأضافه السعي لتحقيق مصلحه المجتمع ككل لغاية أخرى لهذه المؤسسات الاقتصادية .

ثانيا: مفهوم المسئولية الاجتماعية في الفكر الاقتصادي الغربي:
موقف الليبرالية والراسماليه من مفهوم المسئولية الاجتماعية : لا يمكن الحديث عن موقف الليبرالية كفلسفة ومنهج ، والراسماليه بما هي النظام الليبرالي في الاقتصاد، من المسئولية الاجتماعية ، إلا بعد التمييز بين المستويين النظري والتطبيقي لكليهما ، فعلى المستوى النظري نجد أن الراسماليه قائمه كنظام اقتصادي ليبرالي – و استنادا إلى فكره القانون الطبيعي - على أن مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما ، من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة ، اى دون تدخل الدولة كممثل للمجتمع ، والقانون الذي يضبط حركه النظام الاقتصادي الراسمالى هو هو المنافسة الحرة من اجل الربح ، وطبقا لهذا فان الموقف الليبرالي - الرأسمالي من مفهوم المسئولية الاجتماعية- على المستوى النظري - هو موقف سلبي . أما على المستوى التطبيقي فقد ما اثبت واقع المجتمعات الراسماليه الغربية ذاته خطاْ هذا الموقف الليبرالي - الراسمالى ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الغربية، وان اختلفت في حدود هذه الضوابط ومداها ، ذلك أن المنافسة الحرة في النظام الاقتصادي الراسمالى في المجتمعات الغربية قضت على حرية المنافسة لتنتهي إلى الاحتكار ،اى ان التجربة أثبتت أن ترك كل فرد يفعل ما يشاء سينتهي إلى أن لا يستطيع الاغلبيه فعل ما يريدون، كل هذا أدى إلى الكثير من الظواهر الاجتماعية السالبة ، وأهمها الاستغلال الذي مضمونه كل نشاط اقتصادي لا يستهدف مصلحه المجتمع ككل ، مما أدى إلى ظهور الحركات الاشتراكية ذات المنطلقات الفكرية المتعددة (الطوباوية، الماركسية، القومية، الدينية…)، والتي سعت لمكافحه هذه الظواهر الاجتماعية السالبة وأهمها الاستغلال، كل هذا أدى إلى أن تتخذ الليبرالية والراسماليه موقف ايجابي من المسئولية الاجتماعية – على المستوى التطبيقي ، غير هذا الموقف الايجابي من المسئولية الاجتماعية ظل - في الغالب - يعتبر أن المسئولية الاجتماعية للمؤسسات الاقتصادية الخاصة اختياريه (التزام) وليست اجباريه (الزام)، فضلا عن أن هذا الموقف الايجابي ظل يتعرض للرفض من قبل العديد من المفكرين الاقتصاديين الغربيين ، استنادا إلى العديد من الحجج وأهمها : أن الالتزام الاجتماعي يتعارض مع الهدف الرئيسي للمنظمة وهو تحقيق الربح، وان الالتزام بمهام المسؤولية الاجتماعية يحول المنظمة إلى شكل لا يختلف عما هو سائد في المنظمات الحكومية، وانه إذا انفردت المنظمة بإنفاق المبالغ على تنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية، فان ذلك يعني تحملها كلفا إضافية تنعكس على زيادة أسعار السلع التي تتعامل بها ، و بالتالي تنعكس سلبا على موقفها و قوتها التنافسية في السوق.
ثالثا: مفهوم المسئولية الاجتماعية في الفكر الاقتصادي الاسلامى : أما الفكر الاقتصادي الاسلامى ، فقد اقر مفهوم المسئولية الاجتماعية ، على مستوى أصوله النصية الثابتة وفروعه الاجتهادية المتغيرة ، حيث أشارت العديد من النصوص إلى هذا المفهوم كقوله تعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) ( الحجرات: 10)، وقوله تعالى( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)( التوبة: 71).وقوله الرسول (صلى الله عليه وسلم ) (أيما أهل عرضة أصبح فيهم امرؤ جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله)، وقوله (صلى الله عليه وسلم ) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)
فلسفه المسئولية الاجتماعية الفكر الاقتصادي الاسلامى : وتنطلق فلسفه المسئولية الاجتماعية الفكر الاقتصادي الاسلامى ، من جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية ، ومنها:
أولا: أن الله تعالى هو المالك الأصلي للمال﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾(النور: 33) .
ثانيا:أن الله تعالى (مالك المال) استخلف الجماعة في الانتفاع به، أما الفرد فنائب ووكيل عنها في الانتفاع به ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، وان للجماعة بالتالي حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية قال)(صلى الله عليه وسلم ) (الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلاء والنار) (روه احمد وأبو داود)، وهو ما يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها ، يقول عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) (لو أن عناقا " عنزا " ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة).
ثالثا:أن للجماعة أن تترك ما دون مصادر الثروة الرئيسية حقا ينتفع به الفرد (القطاع الخاص) بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحتها.
رابعا: أن الملكية الخاصة (ملكية الرقبة)،والتي تخول للفرد التصرف المطلق في المال ، كما في الفلسفة الاقتصادية الليبرالية (الراسماليه)، تتعارض مع الفكر الاقتصادي الاسلامى،على مستوى أصوله النصية الثابتة، التي تسند ملكيه المال لله تعالى ، وفى ذات الوقت فقد اقر الفكر الاقتصادي الاسلامى بالملكية الفردية كشكل القانوني للملكية، مضمونه حق الفرد في التصرف بالمال مقيدا بضوابط المالك الاصلى للمال(الله تعالى)، ومصلحه المستخلف فيه أصلا (الجماعة).
من آليات المسئولية الاجتماعية في الفكر الاقتصادي الاسلامى : وقد قرر الفكر الاقتصادي الاسلامى، على مستوى أصوله النصية الثابتة ، وفروعه الاجتهادية المتغيرة ، العديد من آليات المسئولية الاجتماعية بعضها اجبارى (الزامى) ، وبعضها اختياري (التزامي)، ومن هذه الآليات :
الزكاة : قال تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)( التوبة :60).
الصدقات: قال تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( التغابن : 16)، وقال تعالى (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ : 39)
الأوقاف: وهى تطبيق لقوله ( الله صلى الله عليه وسلم )( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء : صدقة جارية …. )( رواه الترمذي, ح/1297).

* أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم

http://cb.rayaheen.net/showthread.php

مقال
لمشاهدة ملفات الدراسات، نأمل تسجيل الدخول, أو تسجيل عضوية جديدة
بواسطة:
الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية
إدارة الشبكة